المحاماة رسالة . ومهنة
ورقة مقدمة للمركز العربي لاستقلال القضاء و المحاماة
نجاد البرعي
محام بالنقض
المشرف الأكاديمي لوحدة البحث والتدريب
إن المحامى يعيش في جو طليق دون أن يكون عبئاً ثقيلاً على وطنه ، ليكرس وقته للكافة ، دون أن يكون عبداً ذليلاً لأحد .
ديبــان ” نقيب محامين فرنسا الأسبق “.
إن المحاماة هي مهنة الحرية والكرامة والكفاح في مختلف مناحي الحياة وفي كل زمان ومكان .
المغفور له مصطفى مرعى المحامى .
” لو لم أكن ملكاً لفرنسا لوددت أن أكون محاميـــاً ” .” لويس الثاني عشر .
مقدمة:
نشأت مهنة المحاماة منذ فجر التاريخ ، فقد وجد عند المصريين القدماء منذ عام 2778ق.م جماعة من أهل العلم يسدون المشورة للمتخاصمين ، وعند السومريين القدماء وفي عهد حمورابي عام 1750 ق.م كان لكل خصم في خصومة مدنية أو جنائية حق توكيل غيره للمطالبة بحقه أو ببرأته ، ويرجع أول استعمال لمصطلح “advocates” ومعناه “من يستنجد به الناس ” إلى زمن “سيشرون ” وكان مضمونه ” صديق يساعد ويعضد المتهم بحضوره محاكمته ” ، وأصبح يستخدم هذا الاصطلاح بمعناه الحديث ” المحامى ” في عصر الإمبراطورية الإغريقية الأولى ، كما يرجع إنشاء أول نقابة إلي عهد “جوستنيان ” لتمييز الوكلاء بنوعيهم “الوكيل المدني والوكيل بالعمولة ” عن الصناع والتجار ، وكان لهم حق تكوين رابطة مهنية خاصة ولم يكن المحامون يؤدون قسم المهنة .
ويرجع أول تنظيم للمحاماة في البلاد الإسلامية إلي عام 1292ه – 1876م- حيث وضع في الدولة العثمانية نظام وكلاء الدعاوى .وفى مصر فان أول لائحة لتنظيم المحاماة صدرت عام 1884 م ، وأول قانون كان قانون رقم 26 لسنة 1912 الذي تم سنداً له تأسيس نقابة المحامين المصريين.
تعريف المحاماة :
المحاماة من الحماية ، وترتبط المحاماة بالحياة القانونية ، وتشكل الدعامة الأساسية لتحقيق العدل ، فهي مهنة مستقلة تشكل مع القضاء سلطة العدل ، وهى تشارك السلطة القضائية تحقيق العدل وتأكيد سيادة القانون .
والفهم السليم للمحاماة يضعها في مكانها كجزء لا يتجزأ من سلطة العدل بإدراك الترابط العضوي بينها وبين القضاء وبإدراك أن المحامى أصبح جزء لا يتجزأ من المحكمة .
فالإنسان في صراعه من أجل الحياة وكفاحه المستمر في درء الأخطار عن حياته وماله وحريته وكرامته وعرضه بحاجة إلي حماية ، والمحاماة وجدت لحماية أغلى ما لدى الإنسان حياته وكرامته وماله و وحريته و عرضه ، وحماية حقوق الأمة ، والحياة لا تستقيم بدون حماية ، ودون حماية المحاماة .
وما يؤكد ذلك ، ما ذهب إليه المشرع في نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المحاماة ، بقوله ” المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفى كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم “.
وبذلك تعد المحاماة ند للسلطة القضائية ، ولم يعد هـناك مجال للقول بان المحاماة من أعوان القضاء .
وعلي ذلك نستطيع أن نقرر إن :
المحاماة : رسالة الحق والعدل ، مهنة الشرف والكرامة والكفاح ، فن رفيع ، يسمو دائما على جميع الفنون ، تستمد وجودها من أنبل المعاني وأقدس القيم وأشرف المقاصد و الغايات .
المحاماة : مهنة حرة تشارك السلطة القضائية تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفى كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم .
المحاماة : خدمة عامة ، وهي مهنة حرة مستقلة وعريقة في القدم ، وان تقاليدها التي هي العماد الأساسي لتنظيمها ، كانت دائماً وعبر القرون تتمتع بقوة المبادئ السامية المقدسة ، بحيث لا يمكن المساس بها دون أن يتعرض النظام القضائي برمته إلي الاهتزاز ، ودون أن ينتقص حق الدفاع عن حقوق وحريات المواطنين .
وعلينا أن نبادر إلي رفع التناقض الذي قد يتبادر إلي الذهن بين مفهوم المحاماة كمهنة مستقلة و مفهومها كرسالة وفن رفيع ؛ حيث أن نشؤ المحاماة بعيداً عن سلطات الدولة ودونما خضوع لما تخضع له هذه السلطات ، يعرضها لعشوائية وأداء غير منظم قد يكون عليها أكثر من أن يكون لها ، ولذلك وجب تنظيمها ووضعها في قالب مرن منظم لها ، وهذا التنظيم يحفظها أكثر ويصون بنيانها ، ويجعلها تقوم بدورها وغرضها ورسالتها بشكل أوضح كأداة للدفاع عن المحتاج ، ويحفظ مكانتها كفن رفيع يؤهلها بحق إلي أن تكون رسالة نصرة الحق وتحقيق العدالة .
ومفهوم المحاماة – بناء على ما تقدم – جعل استقلالية المحاماة أهم مقومات وجودها وفعاليتها في أداء دورها ، وجعلها تشارك السلطة القضائية جنباً بجنب في رفع الظلم و إحقاق العدل .
ونخلص من ذلك ، بان المحاماة دعامة العدل باعتبار أن العدل أساس الملك ، ولا عدل بغير قضاء ، ولا قضاء بغير محاماة .
تعريف المحــامى :
بعد أن تبينا مفهوم المحاماة ، علينا أن نزيل الستار عن القائم بأعمال هذه الرسالة السامية الهادفة إلي إرساء العدل وترسيخ الحق .
ونستطيع أن نقرر أن المحامى هو “شخص يشارك القاضي في إقامة العدل ،ويمارس مهنة المحاماة في استقلال ، ولا سلطان عليه في ذلك إلا لضميره وأحكام القانون “.
وهذا ما قررته المادة ½ محاماة بقولها ” ويمارس مهنة المحاماة المحامون وحدهم في استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون ” .
ومن هنا فان المحامى وفي كل المهام التي يقوم بها يبقى مسئولاً عن ممارسته لمهامه المهنية في إطار القواعد الأخلاقية و الأصول والأنظمة التي تنظم هذه المهنة ، وذلك للحفاظ على مكانة المهنة ، وحماية حقوق الموكل والغير .
ودور المحامى في إطار إقامة العدل هو دور نزيه ملتزم بالقانون متفق مع واجبة في حماية حقوق الإنسان والدفاع عن الصواب واقامة العدل وتحقيق المحاكمة العادلة .
وهذا ما أكده نص المادة 62 من قانون المحاماة “على المحامى أن يلتزم في سلوكه المهني والشخصي بمبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة وان يقوم بجميع الواجبات التي يفرضها عليه هذا القانون والنظام الداخلي للنقابة ولوائحها وآداب المحاماة و تقاليدها ”.
وفى ضوء النص السابق ،يقع على المحامى القيام بدوره بصورة مستقلة متحررة من كل تأثير أو ضغط من أي جهة كانت ، وان تكون كل السبل ميسره أمام الجمهور للاستعانة بالخدمة التي يقدمها المحامون .
فالمحامى في أدائه مهمته وواجبه لا يخضع لغير ضميره الحر المستقل ، واستقلالية المحاماة باعتبارها مستمدة من طبيعة وظيفته الاجتماعية كمشارك للقضاء في إقامة العدل تعنى حرية ممارسة المحامى لمهنه واستقلاليته في آلية الدفاع عن موكله.